ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنـا ومن سيئـات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ضد ولا ند له، وأشهد أنَّ سيّدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمّدًا عبد الله ورسوله وصفيّه وحبيبه، من بعثه الله رحمة للعالمين هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، فجزاه الله عنا خيرًا، الصلاة والسلام عليك سيدي يا علم الهدى، الصلاة والسلام عليك سيدي يا أبا الزهراء يا أبا القاسم يا محمد، ضاقت حيلتنا وأنت وسيلتنا أدركنا يا رسول الله، أدركنا بإذن الله.
أما بعد عباد الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم القائل في محكم كتابه ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ ءال عمران/185 .
ويقول تبارك وتعالى مخاطبًا نبيه المصطفى في القرءان الكريم: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾ سورة الزمر/30 . أي إنك ستموت وهم سيموتون.
الموت باب وكل الناس داخله *_*_*_* يا ليت شعري بعد الباب ما الدار
إخوة الإيمان، كلامنا اليوم بإذن الله رب العالمين عن وفاة سيد العالمين وإمام المجاهدين سيدنا محمد، عن وفاة القائد الأعظم سيدنا محمد، ففي قصة موته صلى الله عليه وسلم مواقف كثيرة وعبر أكثر.
خرج صلى الله عليه وسلم من بيت زوجته ميمونة فوصل إلى بيت عائشة وقد اشتد عليه المرض فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس إمامًا".
كان قبل ذلك ينتظره الناس لصلاة العشاء فيقوم للوضوء ثم بعد ذلك يُغمى عليه من شدة المرض ثم يقوم من الإغماء فيقول: أصُلى بالناس يا عائشة؟ فتقول "لا يا رسول الله هم ينتظرونك"، حتى قال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس إمامًا". وكان أبو بكر أرق الصحابة وأثبتهم قلبًا.
ثم وجد القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم في نفسه خفّة فخرج إلى المسجد بين رجلين أحدهما العباس والناس ينتظرون فجلس على المنبر فاجتمعوا عليه فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه واستغفر لأهل بدر وأحد "أوصي المهاجرين بالأنصار خيرًا وأوصي الأنصار بالمهاجرين خيرًا". ثم قال: "إن عبدًا خيّره الله بين زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند ربه" فقال أبو بكر: "نفديك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله" فهم الصدّيق رضي الله عنه أنه إعلام بقرب الأجل.
ثم قال لهم صلى الله عليه وسلم: "بلغني أنكم تخافون من موت نبيكم وهل خلد نبي قبلي فأخلد فيكم؟ قال الله تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾ سورة الزمر/30
وعاد بعد ذلك إلى بيت عائشة رضي الله عنها واشتد عليه المرض وجاءه جبريل قائلاً: "السلام عليك يا رسول الله إن ربك يقرئك السلام يسألك عما هو أعلم به منك كيف تجدك؟" (أي كيف تجد نفسك) فقال: "أجدني وجعًا يا أمين الله" ثم جاءه في اليوم الثاني وقال: "يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول كيف تجدك؟" فيقول صلى الله عليه وسلم: "أجدني وجعًا يا أمين الله" ثم جاءه في اليوم الثالث (جاء في هذه المرة كان معه مرافق) قال له: "يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول كيف تجدك؟" فقال الحبيب المصطفى: "أجدني وجعًا يا أمين الله ومن هذا الذي معك؟" فقال: "هذا ملك الموت عزرائيل" تقول عائشة رضي الله عنها: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت وعنده قدح فيه ماء فيدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ويقول: اللهم أعني على سكرات الموت" (يكرر الخطيب العبارة).
تقول عائشة: "فرأيت وجهه يحمرّ ويعرق ولم أكن رأيت ميتًا قط" فقال لها صلى الله عليه وسلم: "أقعديني، فأسندتُه إليّ ووضعت يدي عليه فقبلت رأسه فرفعت يدي عنه وظننت أنه يريد أن يصيب من رأسي فوقعت من فيه نقطة باردة على صدري ثم مال فسقط على الفراش فسجيته بثوب ولم أكن رأيت ميتًا قط، فجاء عمر يستأذن ومعه المغيرة بن شعبة فأذنت لهما ومددت الحجاب فقال عمر يا عائشة ما لنبي الله صلى الله عليه وسلم؟ قلتُ غشي عليه منذ ساعة فكشف عن وجهه فقال واغمّاه إن هذا لهو الغمّ ثم غطاه ولم يتكلم المغيرة فلما بلغ عند الباب قال المغيرة مات رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمر فقال عمر كذبت ما مات رسول الله. وجاء أبو بكر فقال ما لرسول الله يا عائشة؟ قلت غشي عليه منذ ساعة فكشف الصديق عن وجه رسول الله عن وجه صاحبه وحبيبه ووضع فمه بين عينيه ووضع يديه على صدغيه وقال: وانبياه، واصفياه، واخليلاه، صدق الله ورسوله: إنك ميت وإنهم ميتون".
وهكذا إخوة الإيمان مات القائد الأعظم، مات محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، مات إمام المجاهدين وقائد الغر المحجلين، مات من قال فيه ربه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ الأنبياء/107.
اللهم اجمعنا به في أعلى عليين يا رب العالمين يا الله، يا أرحم الراحمين يا الله.
هذا وأستغفر الله لي ولكم